سورة الأحقاف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
{بينات} جمع بينة: وهي الحجة والشاهد. أو واضحات مبينات. واللام في {لِلْحَقِّ} مثلها في قوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً} [الأحقاف: 11] أي لأجل الحق ولأجل الذين آمنوا. والمراد بالحق: الآيات، وبالذين كفروا: المتلو عليهم، فوضع الظاهران موضع الضميرين؛ للتسجيل عليهم بالكفر، وللمتلوّ بالحق {لَمَّا جَآءَهُمْ} أي: بادهوه بالجحود ساعة أتاهم، وأوّل ما سمعوه من غير إجالة فكر ولا إعادة نظر. ومن عنادهم وظلمهم: أنهم سموه سحراً مبيناً ظاهراً أمره في البطلان لا شبهة فيه.


{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)}
{أَمْ يَقُولُونَ افتراه} إضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سحراً إلى ذكر قولهم: إن محمداً افتراه. ومعنى الهمزة في أم: الإنكار والتعجيب، كأنه قيل: دع هذا واسمع قولهم المستنكر المفضى منه العجب، وذلك أن محمداً كان لا يقدر عليه حتى يقوله ويفتريه على الله، ولو قدر عليه دون أمّة العرب لكانت قدرته عليه معجزة لخرقها العادة، وإذا كانت معجزة كانت تصديقاً من الله له، والحكيم لا يصدّق الكاذب فلا يكون مفترياً. والضمير للحق؛ والمراد به الآيات {قُلْ إِنِ افتريته} على سبيل الفرض عاجلني الله تعالى لا محالة بعقوبة الافتراء عليه. فلا تقدرون على كفه عن معاجلتي ولا تطيقون دفع شيء من عقابه عني، فكيف أفتريه وأتعرّض لعقابه. يقال: فلان لا يملك إذا غضب، ولا يملك عنانه إذا صمم، ومثله: {فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح ابن مَرْيَمَ} [المائدة: 17]، {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً} [المائدة: 41] ومنه قوله عليه الصلاة السلام: {لا أملك لكم من الله شيئاً}، ثم قال: {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} أي تندفعون فيه من القدح في وحي الله تعالى، والطعن في آياته، وتسميته سحراً تارة وفرية أخرى {كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ} يشهد لي بالصدق والبلاغ، ويشهد عليكم بالكذب والجحود. ومعنى ذكر العلم والشهادة وعيد بجزاء إفاضتهم {وَهُوَ الغفور الرحيم} موعدة بالغفران والرحمة إن رجعوا عن الكفر وتابوا وآمنوا، وإشعار بحلم الله عنهم مع عظم ما ارتكبوا.
فإن قلت: فما معنى إسناد الفعل إليهم في قوله تعالى: {فلا تملكون لي}؟ قلت: كان فيما أتاهم به النصيحة لهم والأشفاق عليهم من سوء العاقبة وإرادة الخير بهم، فكأنه قال لهم: إن افتريته وأنا أريد بذلك التنصح لكم وصدكم عن عبادة الآلهة إلى عبادة الله، فما تغنون عني أيها المنصوحون إن أخذني الله بعقوبة الافتراء عليه.


{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)}
البدع، بمعنى: البديع، كالخف بمعنى الخفيف. وقرئ {بدعا} بفتح الدال، أي: ذا بدع ويجوز أن يكون صفة على فعل، كقولهم: دين قيم، ولحم زيم: كانوا يقترحون عليه الآيات ويسألونه عما لم يوح به إليه من الغيوب. فقيل له: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرسل} فآتيكم بكل ما تقترحونه، وأخبركم بكل ما تسألون عنه من المغيبات؛ فإنّ الرسل لم يكونوا يأتون إلا بما آتاهم من آياته، ولا يخبرون إلا بما أوحى إليهم. ولقد أجاب موسى صلوات الله وسلام عليه عن قول فرعون: (فما بال القرون الأولى)؟ بقوله: {علمها عند ربي} [طه: 52] {وَمَآ أَدْرِى} لأنه لا علم لي بالغيب ما يفعل الله بي وبكم فيما يستقبل من الزمان من أفعاله، ويقدّر لي ولكم من قضاياه {إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ} وعن الحسن: وما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا، ومن الغالب منا والمغلوب.
وعن الكلبي: قال له أصحابه وقد ضجروا من أذى المشركين: حتى متى نكون على هذا؟ فقال: (ما أدري ما يفعل بي ولا بكم) أأترك بمكة أم أومر بالخروج إلى أرض قد رفعت لي ورأيتها يعني في منامه ذات نخيل وشجر؟ وعن ابن عباس: ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة، وقال: هي منسوخة بقوله: {لّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] ويجوز أن يكون نفياً للدراية المفصلة. وقرئ {ما يفعل} بفتح الياء، أي: يفعل الله عز وجل.
فإن قلت: إنّ (يفعل) مثبت غير منفي، فكان وجه الكلام: ما يفعل بي وبكم.
قلت: أجل، ولكن النفي في {وَمَآ أَدْرِى} لما كان مشتملاً عليه لتناوله {مَا} وما في حيزه: صح ذلك وحسن. ألا ترى إلى قوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذى خَلَقَ السماوات والارض وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} [الأحقاف: 33] كيف دخلت الباء في حيز أنّ وذلك لتناول النفي إياها مع ما في حيزها. و(ما) في (ما يفعل) يجوز أن تكون موصولة منصوبة، وأن تكون استفهامية مرفوعة. وقرئ: {يوحي} أي الله عز وجل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8